جورج جرداق ونديم نعيمة.. ومناجاة علي

في السابع من شهر تشرين الثاني عام 1992، دعتنا الجمعيّة الخيريّة الإسلاميّة العلوية ـ سيدني أستراليا، بالإشتراك مع الأديب الكبير جورج جرداق ـ لبنان، وفعاليات الجالية الأدبيّة والإعلاميّة، للمشاركة بتكريم الشاعر شربل بعيني ، بمناسبة صدور ديوانه مناجاة علي. وقد طبعت الدعوة على الغلاف الأمامي لمجلّة أسموها المناجاة، جمعوا فيها معظم المقالات والقصائد التي قيلت بشربل وبمناجاته، باللغتين العربيّة والإنكليزيّة.
كثيرون هم الذين شاركوا بالتكريم، كسفير لبنان، آنذاك، الدكتور لطيف أبو الحسن، وفضيلة الشيخ كامل وهبة، والشاعرة الأستراليّة آن فيربيرن، والأديب الأسترالي مايكل هولنغورث، ورئيس رابطة إحياء التراث العربي الأستاذ كامل المر، والأستاذ عصمت الأيّوبي، والممثلّة الأديبة نجوى عاصي منسّقة الإحتفال، والأستاذين رفيق حمّودة وعبد اللـه خضر مترجم المناجاة إلى الفرنسيّة، والآنسة ليلى الأيّوبي، التي أصبحت اليوم زوجة المحتفى به، كما قرئت رسالتان من الأديب محمد زهير الباشا ـ أميركا، والدكتور عصام حدّاد ـ لبنان.
بقي اثنان لـم أذكرهما سابقاً، كانا، بنظري، فاكهة التكريم الشهيّة، ألا وهما: الأديب اللبناني الكبير جورج جرداق، والبروفسور نديم نعيمة، إبن شقيق الفيلسوف ميخائيل نعيمة، وذلك لبعدهما عن مهجرنا هذا، وتعاملهما لأول مرّة مع إنتاج أدبي يصدر لنا في الإغتراب، أضف إلى ذلك سمو مكانتهما الأدبيّة في عالمنا العربي. وكلّنا يعلم أن هذين العملاقين لا يتملّقان أحداً، وأن كلّ كلمة تصدر عنهما، إنما تصدر عن اقتناع وتفكير مسبق.
فماذا قال حفيدا أبجديّة جبيل؟.. وماذا قال الباقون؟
أوّلاً، أديبنا الكبير جورج جرداق غني عن التعريف، مؤلّفاته النثريّة والشعريّة أكثر من أن تحصى، ويكفي أن تكون كوكب الشرق السيدة أم كلثوم قد غنّت قصيدته التحفة "هذه ليلتي"، إحدى أجمل روائعها الغنائيّة على الإطلاق، لندرك مدى عمق وأصالة وخلود هذا الإنتاج الجرداقي. ثـم لا ننسى أن شاعرنا شربل قد استلهم "مناجاته" من مؤلّف جورج الخالد الإمام علي صوت العدالة الإنسانيّة، الموزّع على خمسة مجلّدات، ولهذا جاء إهداؤه للديوان، على الصفحة السابعة، اعترافاً أدبيّاً صريحاً لـم يسبق له مثيل، أعاد لصاحب الفضل فضله، فلقد أهدى المناجاة: "إلى الأديب العربي الكبير جورج جرداق، الذي غنّى عليّ بن أبي طالب صوت العدالة الإنسانيّة، كما لـم يغنّه أحد من قبل".
إذن، فكتابة جورج جرداق عن الإمام علي، هي التي أملت على شربل مزاميره العشرين، أو بالأحرى، هي التي مدّته بنسغها السحري كي يكتب ما كتب. ومن عظمة قلـم جورج استمد قلـم شربل عظمة "مناجاته"، فما كان منه إلاّ أن اعترف بأن جورج جرداق قد غنّى عليّاً كما لـم يغنّه أحد من قبل.
ويوم تكريم شربل أرسل جورج كلمة لتقرأ بالمناسبة، فقرأها، نيابة عنه، الأستاذ عصمت الأيّوبي، الّذي قدّم الكلمة بكلمات أدبيّة رائعة، أخبرنا فيها أن كلمة "جرداق" تعني الرغيف، فنِعْمَ الإسم، ونِعْمَ المعنى. وإليكم ما جاء في كلمة "رغيفنا" الأشهى:
"في مثل هذه المناسبة مجال واسع لكلام كثير. غير أني سأوجز، ففي الإيجاز ما ليس في الإسهاب من خفّة الوطأة على القارىء أو السامع:
عظماء الخلق الحقيقيّون هم عظماء كل زمان ومكان. وهم شرف للإنسانيّة كلّها، لا يستطيع احتكارهم أحد من هنا أو هناك، لأنهم كالضياء الذي ينتشر على الجميع.
ولأن الإنسانيّة في النتيجة واحدة، ولأن التفريق بين قوم وقوم، أو بين طائفة من البشر وطائفة، هو عمل هامشي لا جوهري، وآني وطارىء على الحقيقة وعلى الخصائص الإنسانيّة بأصولها ومجاريها وغاياتها، فإن سيرة كل عظيم في الفكر والخلق والمسلك، أياً كان زمانه ومكانه، وأياً كان قومه، ومهما حاول هؤلاء أو هؤلاء احتكاره، هي ملكي وملكك وملك الناس، كل الناس، البيض والسود والصفر والمجاورين لك والغائبين عنك وراء البحار السبعة.
وفي طليعة عظماء الفكر والخلق والسيرة، منائر الأزمنة، هداة الناس جميعاً: الإمام الأعظم علي بن أبي طالب.
وإذا كان الجمال السامي لا يستشفّه فيراه ويهواه إلاّ صاحب النظر الصائب، والمخيّلة الكاشفة، والروح الصافي، والذوق الرفيع.
وإذا كانت القيم الكبرى لا يدرك معانيها فينتشي بعبقها ويحيا لها وفيها إلاّ من أودعه اللـه القدرة على الإتحاد بجوهر الأحياء والأشياء على السواء.
وإذا كان أصحاب الجمال السامي، والقيم الكبرى، لا يستظلّهم ويدفأ بوجودهم، فيطمئن من خلالهم إلى خير الوجود ونعمة الحياة الواحدة والعدالة المنبثقة من قوة الكون المركزيّة التي هي اللـه، إلاّ الطيّبون الخيّرون المهيّئون فطرياً لأن يكونوا رسلاً للإخاء والمحبّة والرحمة، لا بالأحياء وحدهم بل بأشياء الوجود الصامتة كذلك.
إذا كان الأمر على هذه الصورة، فلا بدّ من أن يكون شربل بعيني من أصحاب النظر الصائب، والمخيّلة الكاشفة، والروح الصّافي، وممن أودعهم اللـه القدرة على الإتحاد بجوهر الأحياء والأشياء جميعاً، ومن الطيّبين الخيّرين المهيّئين فطرياً لأن يكونوا رسلاً للإخاء والمحبّة والرحمة، لكي يتمكّن من أن يستشف جمال الروح السامي في عبقري المعاني الإنسانيّة علي بن أبي طالب، وأن ينتشي بعبق القيم التي يمثّلها الإمام الأعظم، ويستظلّه ويدفأ بوجوده، ويطمئن من خلاله إلى نعمة الحياة الواحدة في خلق اللـه.
هكذا هو، وهكذا كان كتابه الشعري مناجاة علي، الذي آثر أن ينظمه بلغته المحكيّة لتأتي أوثق صلة بحقيقته، وأدق تعبيراً عن مشاعره، وأقرب إلى العفويّة الخالصة.
في هذا الكتاب ما يدلّ على رغبة الإنسان الحقّ في العودة إلى الينابيع الصافية، التي لـم تعكّرها الهموم الآنية الهامشية، التي طالما أبعدت المرء عن أصوله، وحجبت عن عقله وقلبه ووجدانه غاية وجوده. والآنيّ قد يدوم ألوف السنين، ولكنه يظل آنيّاً بالنسبة لعمر الزمان السرمدي.
لبناني آخر ينضم إلى جملة اللبنانيين المثاليين، الذين كان طليعتهم جبران خليل جبران وميخائيل نعيمة، ويشير إلى إحدى المنائر الكبرى في ظلمات التاريخ، ويقول لك: هذا هو علي بن أبي طالب، فاستنر أنت أيضاً بنوره، وامشِ على ضوئه في طريق العدالة والمحبّة والرحمة والخير، أو اختصر وقل: في طريق الحياة الصافية الواحدة التي لا تتجزأ إلاّ هامشياً وآنيّاً.
تحيّتي إلى الشاعر شربل بعيني تصحب تحيّة لبنان إلى الخيّرين من أبنائه المهاجرين، وإلى كل من سعى منهم إلى حقيقة، وأبرز قيمة، وكرّم صاحب جهد كبير.. وشكراً لكم جميعاً".
وبعد هذا الكلام العملاق من جورج جرداق، وبعد تحيّته وتحيّة لبنان إلى شربل، وإلى الخيّرين من أبنائه المهاجرين، وإلى كل من سعى منهم إلى حقيقة، قدّم سفير لبنان الدكتور لطيف أبو الحسن للشاعر شربل بعيني هديّة رمزيّة باسم الأديب جرداق، تمثّل شاعراً يحمل حقيبته ويتّجه نحو المجهول.. نحو غربة جديدة، رماه بها جور أنظمتنا العربيّة، واضطهادها لكل "من سعى إلى حقيقة" في شرقنا العربي التعيس.
كما قدّم رئيس الجمعيّة العلويّة السيّد صبحي حميد لوحة مستوحاة من ديوان مناجاة علي، رسمها الفنّان المهجريّ القدير أنور يوسف، وأعطاها بعداً إنسانيّاً لا تحدّه حدود، ولا تمتلكه طوائف.. وقد لا أذيع سراً إذا قلت إن مترجم "المناجاة" إلى الأورديّة، الباكستاني علي سلطان، قد جاء خصّيصاً من باكستان لالتقاط صورة تذكاريّة له وهو يقف تحت لوحة الفنان أنور يوسف في منزل شربل بعيني.
ثانياً، البروفسور نديم نعيمة، الأستاذ المحاضر في الجامعة الأميركيّة ببيروت، وصاحب المؤلّفات العديدة باللغتين العربيّة والإنكليزيّة، الذي كان وجوده في حفل تكريم شربل بعيني صدفة جميلة، فلقد جاء قبل أسبوعين من موعد التكريم لاستلام جائزة جبران العالميّة التي منحته إيّاها رابطة إحياء التراث العربي في أستراليا، وكان شربل أمين سرّها في ذلك الوقت، فما كان من البروفسّور نعيمة إلاّ أن لبّى الدعوة لحضور التكريم.
وقبل أن أطلعكم على ما قاله البروفسور نعيمة، أحب أن أخبركم هذه الحادثة الطريفة: عندما ذهب أعضاء الرابطة لاستقبال البروفسّور في مطار سيدني لـم يكن أحد منهم يعرفه، أو يحمل صورة له، فاحتاروا في أمرهـم، وراح كل واحد منهم يتطلع بوجوه القادمين دون جدوى. وفجأة صاح شربل:
ـ يا أهلا بالبروفسّور نديم نعيمة..
وراح يقبّله على وجنتيه، والدهشة تعلو وجوه الجميع، بما فيهم البروفسّور نعيمة، الذي سأل شربل:
ـ .. وكيف عرفت أنني البروفسّور نديم نعيمة؟
فضحك شربل وأجاب:
ـ إنّك صورة طبق الأصل عن المرحوم عمّك ميخائيل نعيمة.
والآن، لنعد إلى التكريم، وإلى كلمة صديقنا البروفسّور، التي ارتجلها، بعد أن فوجىء بدعوته للكلام.. وصدقّوني أن أجمل الكلام هو الكلام العفوي المرتجل، وإليكم ما قال:
"لـم أكن أدري، منذ تركت لبنان، وذلك منذ أسبوعين، أنني أترك لبنان إليه!!. إنني، هذه الليلة، وكأنني في لبنان، إلاّ أنّكم، وصدقوني، لبنان الأجمل.
أشعر لأول مرّة، منذ ستة عشر سنة، أنني أنتقل من لبنان الممزّق إلى لبنان السوّي. تركت لبنان الجريح، فإذا بي هنا معكم في لبنان المعافى. تركت لبنان الطائفي، فإذا بي معكم في لبنان المرتفع فوق الطائفيّة. تركت لبنان الغائص في مشكلاته السياسيّة وفي مختلف ما شوّه وجهه من قذارات، فإذا بي معكم في لبنان الجميل، الذي عرفناه جميلاً قبل كل هذه القذارات.
غريبة هي الغربة!.. غريبة: لأنها تجعل واحدكم يحن بشوق محرق، ويخرج مجلواً نظيفاً معافى، كما تخرج عشتروت من الصدفة، وإلاّ فما معنى هذه المناسبة اليوم؟.. شاعر مسيحي أو ماروني يتغنّى بعلي بن أبي طالب، وعلي بن أبي طالب يتحوّل في ناظريه وأنظارنا جميعاً إلى مثل من الخير والحق والجمال.
في الآية الكريمة: {أما الزبد فيذهب جُفاءً، وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض}. زبد كل هذا الذي حلّ بلبنان من حرب وتشريد وقتل وانقسام. إنه زبد سيذهب جفاء. زبد أيضاً، ربّما التاريخ، إذا لـم يستنر بهذه المنارة الكبرى.
كم تبدو الحياة برقعاً مفزعاً ومخيفاً من غير هذه المناسبات الإنسانيّة، التي أنارتنا عبر العصور.
لولا هذه المنارات، وأبرزها وجه علي، لكانت الدنيا كلّها بلا قيمة، على حدّ تعبيره: "أتفه من قشّة في فـم جرادة".
أهنّئك يا أخي شربل على هذه الأغاني التي غنّيتها لعلي. ما قلته جميل وجليل جدّاً، وأجمل منه أنك قدوة رائعة للذين، من مثقفينا، سيستطيعون أن يعرفوا أولئك الذين نفعوا الناس في التاريخ، وجعلوا هذه الأرض أهلاً لأن يسكنوا".
فإذا كان الأديب جرداق قد شبّه شربل بلبناني آخر ينضم إلى جملة اللبنانيين المثاليين، الذين كان طليعتهم جبران خليل جبران وميخائيل نعيمة. وإذا كان البروفسور نعيمة قد جعله قدوة للذين سيستطيعون أن يعرفوا أولئك الذين نفعوا النّاس في التاريخ. نجد أن السفير أبو الحسن قد شبّهه بابن لبنان البار الذي حمل راية التلاحم والتلاقي والمحبّة. وقد نشرت كلمته كاملة في فصل سابق. كما نجد أن فضيلة الشيخ كامل وهبه قد وصف شربل "بصاحب الوجدان الصافي، والعقل المتّزن، والضمير المعتدل لتطويع قلمه في التعبير عمّا انفعل له، إيماناً باللـه وحبّاً لشخصيّة الإمام عليه السلام.
فهنيئاً لك يا شربل بما أحببت، ومرحباً بك وبقلمك وبشعرك وأدبك في ساحة الإنسانيّة".
الشاعر الأسترالي مايكل هولينغورث قال، بعد قراءته للمناجاة باللغة الإنكليزيّة: "إن شعر شربل بدأ يخاطب العالـم، فتختلج قلوبنا بهذه المخاطبة، لذلك وجب علي الإعتراف أن كلماته ما هي إلاّ معبر للسعادة".
الشاعرة الأستراليّة آن فيربيرن لـم تكن أقلّ اقتناعاً بشعر شربل بعيني فوصفته "بالجميل جدّاً"، وترجمت بعضه إلى الإنكليزيّة، وقرأت مقاطع منه في المكتبة الوطنيّة ـ كانبرا، وتغنّت به في حلم شعري تحت ظلال الأرز (2000) كما أدخلته في أنطولوجيا الشعر الأسترالي (2002).
الأستاذ كامل المر أخبرنا، في كلمته، أنه ما كان ليشارك بالتكريم لو لـم يكن "الذي يُكرّم أخي وصديقي ورفيق الدّرب"، ولكنه رمى، كعادته، تساؤلاً، هو أشبه ما يكون بتأنيب لنا جميعاً، فلقد قال: "هل كان على شربل أن يكتب مناجاة علي ليُكرّم؟!". بالطبع لا، إذ أن شربل يستحقّ منّا التقدير على جميع كتاباته.. لماذا؟.. لأنه، كما قال عنه الأستاذ رفيق حمّودة، في مقال نشره في مجلّة المناجاة: "من القلائل الذين كتبوا الشعر لإصلاح ذلك الخلل النفسي والإجتماعي عند الإنسان، بأسلوب تحليلي راقٍ". أو كما قالت عريفة الإحتفال السيّدة ليلى الأيّوبي بعيني: "في هذه المناسبة المضيئة، أطلّ شربل بعيني على دنيا الإنسانيّة، وبهذه الصبغة البيضاء الناصعة صبغ شعره، وسكب عليه من ذاته وسيرته خصائص الشعر الحي المتجدّد المنفتح على تيّارات الخير والحبّ والجمال".
وبما أنني أتيت على ذكر مجلّة المناجاة، أجد نفسي ملزماً بالإستشهاد ببعض ما كتبه شعراء وأدباء من خارج أستراليا، وسأبدأ بالأديب السوري الدكتور عبد لطيف اليونس، الذي نشر مقالاً، في 9 أيار 1992، على الصفحة الأولى من جريدة الثقافة، أنقل منه ما يلي:
"ديوان الشاعر بعيني، هو شعر حقاً، بصرف النظر عن لونه باللغة العاميّة وليست الفصحى. ولا أحب أن أعود لتكرار ما قلته عن معارضتي الكتابة بغير الفصحى، ولكنّي أحب أن أؤكد بأن أي شعر فصيح لا يمكن أن يسمو على شعور هذا الشاعر باللغة العاميّة..
مزيداً من العطاءات والإبداع، أيّها الشاعر المحلّق المبدع شربل، فمثلك وحده يعمل لوحدة أمّته، ويسعى لرفع الحواجز من بينها، وإعطاء فكرة خيّرة نبيلة عنها.
أنت وجرداق وجورج زيدان قد دخلتم التاريخ من أوسع أبوابه، وخلدتـم في محرابه، فمرحى، ثـمّ مرحى".
وفي مجلّة غربة التي كانت تصدر في واشنطن، كتب الأديب السوري محمد زهير الباشا دراسة مطوّلة عن مناجاة علي، أقتطع منها:
"وشربل، أيضاً، بحث وتعمّق، وتأصّلت نظراته في تاريخ البشريّة المعذّبة، فكان التأمّل والتعاطف والبصيرة. ليس في نظراته الأغوار المبهمة ولا المضامين الرمزيّة، وإنّما جاء بتحليق إلى قمم الإنسانيّة بالإستدلال تارة وبالمواقف تارة".
كما نشر الدكتور عصام حدّاد، في جريدة النهار المهجريّة، دراسة راقية حول الديوان، أختار منها:
"ومن يصدّق أن شربل بعيني الأهزوجة الدائمة يضمّ في شرايينه هذا الضجيج المحشو بالتشاؤم والمرارات. هل في أعماق أعماقه نزف جرح خفي؟! أم أن لصراحته المعهودة وعفويّته يقشعّر لأي طارق عليه، كما تقشعر إبرة الحاكي من أي نشاز؟!".
في نهاية الإحتفال، وقف الشاعر شربل بعيني ليشكر الجميع، وليهدينا هذه الحكمة البليغة، التي استوحاها من قراءاته الكثيرة المتنوّعة، على حدّ تعبيره: "إنّ القلـم الذي يَشْتُمُ يُشْتَم، والقلـمَ الذي يُكَرِّمُ يُكَرَّم".
مناجاة علي.. هو الكتاب المهجري الوحيد، الذي نشر، حتّى الآن، بالعربيّة والإنكليزيّة والفرنسيّة والإسبانيّة.. وما زال يترجم إلى لغات أخرى. كما أن المقالات التي كتبت عنه كثيرة جداً، وجميلة جدّاً، ومن المستحيل أن أستشهد بها كلّها، أو أن آتي على ذكر أصحابها، كي لا أغبن أحداً منهم، في حال تلاعب بذاكرتي النسيان، لذلك أدلكم على مجلّة المناجاة، وعلى أرشيف شربل بعيني، ففيهما أجمل ما قيل بمناجاة علي.
**